يأتي إلى منزله الصغير، آخر انهار، و معه رغيفين، أجرة عمل ذلك اليوم، ليطعم ثمانية أطفال و زوجة، و والدين هرمين، يأكل نصيبه من الرغيفين، - وكم ذلك النصيب – و يتوجه إلى فراشه الصغير ليخلد إلى النوم، و أي نوم الذي سوف يتمتع به، إنه ينظر للقمر، من نافذة منزله، و كأنه يريد أن يشكي له همه، بل همومه، فيتمنى لو يسمعه، ليقول له: عمل شاق، و أجر بسيط، و منزل صغير، و أطفال ثمانية، و زوجة و والدين هرمين، فصاحب العمل لا يرحم، حيث يأمرنا بالعمل من شروق الشمس إلى غروبها، و عند الغروب يعطينا أجورنا البسيطة، التي لا تسد الرمق، فقط تكفي لشراء رغيفين من الخبز، فلا طعام لنا غيره،لا لحم ولا جبن و لا كعك، أما المنزل الذي يتأرجح بنا في وسط العواصف الهوجاء، فلا مال لبناء منزل آخر أكبر و أقوى، و لا حتى لترميم منزلنا القديم، أما سكان هذا المنزل، فأطفالي و زوجتي و والداي الذين لا أراهم، إلا لحظات معدودة في اليوم، لكن لا وقت لدي لرؤيتهم، و في هذه اللحظة يصرخ ابنه الصغير، فيسأل زوجته عن سبب صراخ ابنه، فتقول: إن درجة حرارته مرتفعة، فيفكر في دواء لابنه المريض، فالوقت صار فجرا، فلا يدري أيذهب للعمل ليكسب قوت يومه، أم يذهب للطبيب، و لكن لا يملك أجرة الطبيب، فيعيش في حيرة من أمره، و فجأة و شمس يومه الجديد تشرق و تحرق جسده، فيستيقظ فإذا به على سريره الفخم، و قصره الواسع، فانتابه شعور بالسعادة، و عرف أن ما جرى له البارحة، كان حلما عنيفا، لكن عرف قيمة المال الذي كان يصرفه في أمور تافهة بقصد التمتع، و عرف أن هذا المال لو تصدق به على أناس محتاجين، لأكلوا اللحم و الجبن و الكعك، و لبنوا بيوتا تتسع لعوائلهم، و لرسم البسمة على شفاه أطفال و نساء و شيوخ، و لأشبع أعين أولئك الرجال من رؤية أطفالهم ، و لتمكنوا من الذهاب للطبيب، و لكان المجتمع من حوله سعيدا، و من جاور السعيد يسعد، و ليجلي الهم عن أناس كان الهم لهم عنوانا.